Saturday, February 14, 2015

رحلتي إلى اليابان، خريف 2014 (الجزء الثاني)



لقد كانت بداية فصل الخريف في اليابان فكان توقيتاً رائعاً لي للاستمتاع بمشاهدة أوراق الخريف المفضلة لدي. استيقظنا في صباح اليوم التالي وكان الطلاب اليابانيين بانتظارنا عند دار الضيافة حيث أتوا لاصطحابنا إلى القاعة حيث سيكون هنالك محاضرة إرشادية بالبرنامج وتعريف بالمجموعات التي سترافق كل طالب عربي. أعجبني النظام المتبع و تقسيم العمل الجماعي على الطلاب. حيث كان هنالك سبعة طلاب يابانيين مرافقين لكل طالب عربي ويشكلون مجموعة باسم ذلك الطالب. مثلاً مجموعتي "مجموعة حسناء" كانت تضم كوماكي سان، تشيزو سان، هيسانو سان، سوجيموتو سان، سايتو سان، ميجومي سان و إيتو سان. وفي الوقت نفسه كان هنالك مجموعات أخرى تنتمي إليها كل طالبة حسب المهام المنوطة بها:
- مجموعة اللغة اليابانية: وأفرادها لديهم معرفة جيدة بقواعد اللغة اليابانية وهم مسؤولون عن الأمور المتعلقة باللغة كمحاضرة اللغة اليابانية أو كتصحيح الأخطاء اللغوية ومتابعة أمور التقرير. 
- مجموعة المعيشة: وأفرادها مسؤولون عن الأمور المعيشية للطلاب العرب كتوفير وجبات طعام و توفير مستلزمات دار الضيافة وغيرها.
- مجموعة الرحلات: وهم مسؤولون عن الرحلات وكل ما يتعلق بها من مواصلات و نشاطات.
- مجموعة التصوير: أفرادها مسؤولون عن التقاط الصور و تصوير مقاطع الفيديو.
- مجموعة اللغة العربية: وهم مسؤولون عن محاضرات اللغة العربية التي سيقوم الطلاب العرب بإلقائها.
- مجموعة الهدايا: وهم مسؤولون عن شراء الهدايا وتجهيزها للطلاب العرب.

فكل فرد في فريق الطالب العربي ينتمي لإحدى هذه المجموعات وذلك لتوفير كل ما يحتاجه الطالب العربي. طبعاً كل طالب ياباني لديه محاضراته في الجامعة و عمله الجزئي ولكنهم قاموا بتنظيم أوقاتهم وجدولتها بحيث يكون في كل الأوقات طالب واحد على الأقل أو أكثر متواجد مع الطالب العربي. وأعتقد أن هذا النظام يعبرعن حسن الضيافة وحسن التخطيط والتنظيم.

إن حسن التنظيم و التخطيط وتوزيع المهام هي من أهم أساسيات العمل الجماعي التي للأسف مفقودة إلى حد ما  في عالمنا سواء على مستوى العائلة أو المدرسة أو الجامعة أو العمل. ترى الفرد العربي لديه قدر كبير من المعرفة و يتمتع بمهارات عديدة وبإمكانه إنجاز الأعمال الفردية بإتقان ولكن عندما يعمل على مستوى مجموعة ترى تأخراً في العمل و عدم إتقان ووجود العديد من الثغرات. وأعتقد أن أسباب ذلك تبدأ من البيت والمدرسة حيث أن الفرد العربي غير معتاد على العمل في مجموعات ولا يوجد نظام مدرسي أو تربوي يشجع العمل الجماعي و يعوّد الطلاب على تنظيم أنفسهم بأنفسهم.

أسلوب التعليم والتربية في روضات و مدارس اليابان يتميز بوجود العديد من النشاطات التي تجعل الطلاب على تواصل حيث لكل طالب مهمة معينة موكلة إليه يقوم بها بالتعاون مع زملائه لتحقيق هدف مشترك. النظام التعليمي في معظم الدول العربية يقوم على التنافس بين الطلاب وليس التعاون. فتجد معظم الطلاب يتنافسون على تحصيل أعلى العلامات ونيل المركز الأول بالصف. ونلاحظ أن صاحب أعلى معدل في الصف هو غالباً من يتم اختياره ليكون ممثلاً عن الصف ويكون هو الأكثر شعبية بين الطلاب و باقي الطلاب مهمشين حتى وإن كانوا يبرعون بمهارات أخرى غير أكاديمية. المدرسة بالنسبة لمعظم الطلاب هي المكان الذي يتم فيه الدراسة بجد لتحصيل معدل عال في الثانوية و دراسة تخصص مرموق في الجامعة لنيل لقب بارزٍ في المجتمع أو الالتحاق بوظيفة تدر دخلاً عالياً. النوادي المختلفة في المدارس اليابانية سواء الرياضية أو الفنية أو الموسيقية تنمي مواهب الطالب و تشجعه على التعاون مع زملائه في المجال الذي يحبه و يبرع فيه. 

المهم... بعد انتهاء المحاضرة الإرشادية كان هناك محاضرة أخرى يقوم فيها كل طالب بالتعريف عن نفسه ومن ثم يتناقش مع مجموعته عن موضوع التقرير الذي سيقوم بكتابته خلال هذه الفترة. بعد ذلك تجولنا بالجامعة وتعرفنا على مبانيها المختلفة و مرافقها وذهبنا لدار الضيافة لاصطحاب زوجي وابني إلى القاعة التي سنتناول فيها الغداء. مجموعة المعيشة قامت بتوفير خبزٍ عربي وإعداد كباب مقلي مع البصل و سلطة و كاتشب و بيض. كان ذلك غداؤنا معظم الأيام و كان لذيذاً جداً! تناولنا الطعام مع الطلاب اليابانيين ومعظمهم قاموا بتحضير غدائهم بالبيت و إحضاره معهم في صناديق الطعام "أوبنتو". لاحظت أنه نادراً ما يتناول طلاب الجامعة في اليابان غداءهم في المطاعم بل في اغلب الأوقات يقومون بتحضيره بأنفسهم في البيت.

بعد الغداء عدنا للمناقشة مع المجموعة حول موضوع التقرير الذي سنقوم بكتابته. كنت قد اخترت موضوعاً من قبل وهو كيفية تشجيع الطلاب في المدارس على التعاون و العمل الجماعي وماهي الأنشطة والأنظمة المتبعة في مدارس اليابان والتي تشجع ذلك. ناقشنا ذلك ودار بنا النقاش حول مواضيع عديدة وعلى مستويات مختلفة وانتقلنا من موضوع إلى موضوع ولم نشعر بمرور الوقت. 

حل المساء و أرشدنا الطلاب إلى القاعة التي سنتناول بها طعام العشاء، وإذ بهم قد حضروا حفل استقبالٍ مفاجئ لنا واعدوا أطعمة و حلويات مختلفة وغنوا أغنية جميلة هم قاموا بتأليفها و تلحينها ووزعوا علينا سترات تحمل شعار ASP لذلك العام و هو わ مع أسمائنا واسماء الطلاب اليايينيين و المنظمين لبرنامج ASP. سعدنا جداً بذلك وحصل ابني الصغير أيضاً على سترة صغيرة عليها شعار ASP. 



بعد ذلك الحفل الجميل عدنا لدار الضيافة لقضاء ليلتنا الثانية في اليابان ...

Wednesday, February 11, 2015

رحلتي إلى اليابان، خريف 2014 (الجزء الأول)

السلام عليكم أصدقائي. مر زمن طويل مذ نشرت في هذه المدونة، لأسباب عدة من أهمها انشغالي بمسؤوليات الأمومة و عدم وجود ما يستحق النشر. إلا أنه و في خريف العام الماضي حدث ما كنت أنتظره منذ سنوات وهو ذهابي إلى اليابان. 

خلال رحلة دراستي للغة اليابانية كانت هناك العديد من الفرص التي تؤهلني للذهاب إلى هناك و لكن لأن جنسيتي سورية فلم يمكنني ذلك من الذهاب وطبعاً لأن إرادة الله شاءت بذلك لحكمةٍ أرادها سبحانه. 

العديد ذهب إلى اليابان و تحدث عنها و كانت هنالك برامج تلفزيونية عديدة عرضت لنا اليابان بميزاتها و بالتحديات التي تواجهها. في هذه المدونة لا اهدف إلى تكرار ما روي عن اليابان بقدر ما أهدف إلى التأكيد عليه و الحديث عن تجربتي، بل تجربتنا كعائلة. أجل فلقد ذهبت مع زوجي و ابني إلى هناك في برنامج للتبادل العلمي و الثقافي كسابقة لم تحصل من قبل، فكانت تلك المرة الأولى التي تذهب فيها عائلة عبر ذلك البرنامج.

البرنامج هو "أهلاً و سهلاً" ASP من جامعة كيؤو الحرم الواقع في شونان فوجيساوا في كاناغاوا. ينظم مخبر الدكتور أوكودا للدراسات العربية و الإسلامية هذا البرنامج كل عام حيث يتم استقبال خمسة طلاب عرب لمدة أسبوعين يقومون خلالها بكتابة تقرير حول موضوع يختارونه و يتم تصوير مقاطع من الفيديو بالاشتراك مع الطلاب اليابانيين الدارسين هناك وعدة أنشطة ثقافية أخرى. 

عندما تم قبولي بالبرنامج كنت قلقة حيال عائلتي فلم أكن أريد الذهاب لوحدي والابتعاد عن ابني وزوجي لمدة أسبوعين فطلبت من القائمين على البرنامج السماح لي باصطحاب عائلتي و وافقوا على ذلك برحابة صدر و الحمدلله.



 انطلقنا من عمان بعد فجر السبت الموافق الأول من تشرين الثاني 2014 لنصل اسطنبول الساعة التاسعة حيث كانت صديقتي في استقبالنا عند محطة مترو أكسراي واستقبلتنا عائلتها في منزلها ذلك اليوم حيث كان موعد الطائرة إلى طوكيو بعد منتصف ليلة ذلك اليوم. كان بيت صديقتي في منطقة الفاتح فقمنا بزيارة مسجد الفاتح باسطنبول و تجولنا قليلاً في سوق الفاتح. 



حان موعد الطائرة إلى اليابان وكان معنا بالطائرة الطلاب الآخرون من الأردن ومن سورية ومن المغرب. لم أكن أصدق بأن حلمي قبل عشر سنوات أصبح على بعد اثنتا عشرة ساعة بالطائرة. شعرت بثقل الوقت وكأن أياماً مضت ونحن معلقين في الجو. ها نحن فوق الصين ثم فوق كوريا وثم أخيراً أصبحنا فوق اليابان. كان احتمال أن يكون ذلك مجرد حلم قائماً إلى أن قال لي زوجي "الحمدلله على السلامة وصلنا اليابان!" وتحدث كابتن الطائرة باللغة اليابانية مخبراً عن وصولنا مطار ناريتا بسلام.

هدوووووووووء شديد يسود مطار ناريتا حيث كانت الساعة العاشرة مساءً بتوقيت طوكيو. هدوء شديد في الأصوات في الحديث في التنقل داخل المطار وحتى في الإضاءة. كانت الإضاءة في اليابان أول ما لفت نظرنا أنا و زوجي حيث كان مشهد طوكيو من الطائرة  وإضاءة المدينة والشوارع بيضاء و خافتة على عكس ما توقعنا. 

ولكن كما هو متوقع، كان تعامل موظف الجوازات في المطار راقياً جداً مع ابتسامة و احترام شديد على عكس ما نعهده مع موظفي الجوازات في بعض الدول العربية حيث ترتجف خوفاً وأنت تسلم جوازك له على أمل أن تسير الأمور بسلام وتتمكن من العبور. الأمر الجدير بالذكر أنه عند وصولنا لنقطة الجوازات كان هناك دور بالطبع و صف طويل من الناس المنتظرين إلا أن ما فاجئنا أن هناك موظف أرشدنا إلى التقدم لعند نقطة خاصة بالأشخاص الذين يصحبون أطفالاً صغار حيث تم استكمال إجراءاتنا بسرعة مراعاةً لوجود طفل معنا! أعتقد أن اغلبكم يعلم كم هو من الصعب أن تجعل الطفل ينتظر وكم مررت بمواقف كثيرة هنا في الأردن حيث كنت انتظر على الدور وكان طفلي يضجر بسرعة و يصرخ ويبكي ويزعج الآخرين وكم كنت أتمنى حينها أن اتقدم الصفوف وأنهي أموري بسرعة لأتفادى نظرات الناس ولكن "الدور دور!" كما تعلمون. كان ذلك الموقف بالمطار هو أول ما استرعى انتباهي إلى موضوع أسميته "Mother Barrier Free" سأناقشه لاحقاً. 

أنهينا إجراءات المطار بسلاسة و خرجنا لنجد باستقبالنا الأستاذ الدكتور أوكودا مع القائمين على البرنامج وكانوا يحملون لافتة "أهلاً وسهلاً" حيث رحبوا بنا وأبدوا سعادتهم بوصولنا سالمين و كم كنا سعداء نحن ايضاً بهم و بحسن استقبالهم. 

توجهنا مع الطلاب الآخرين إلى جامعة كيؤو الواقعة في فوجيساوا وكانت على بعد ساعتين تقريباً من مطار ناريتا. أوصلنا الدكتور أوكودا و السيد سعيد إلى دار الضيافة داخل حرم الجامعة حيث مكان إقامتنا وأرشدونا إلى مرافق البيت و طريقة استخدامها. كانت غرفتنا على النظام الياباني التقليدي "واشيتسو" حيث هنالك التاتامي على الأرضية و ثلاثة من "الفوتون" القطني المريح و الدافئ بانتظارنا بعد الرحلة الطويلة. كان يوجد في دار الضيافة مطبخ و حمامات و حوض الاستحمام الياباني"فويو". شعرت وكأني دخلت إلى مسلسل كرتون ياباني. كل شيء كما في الأنيمي. الشوارع، إشارات المرور، المحلات، البيوت، السيارات لم أشعر بشيء غريب وكأني عشت هنا من قبل. 


وهكذا قضينا ليلتنا الأولى في اليابان في شوقٍ لما ينتظرنا في الأيام التالية ...